فقر الدم لدى النساء.. صراع بين العطاء والوهن 15-12-2025

فقر الدم لدى النساء.. صراع بين العطاء والوهن | صحيفة الخليج
www.alkhaleej.ae

تحقيق: ميثا الانسي

فقر الدم ليس مجرد حالة طبية تُقاس بمستويات الحديد والهيموغلوبين، بل ظاهرة إنسانية تنعكس على الوجوه والطاقات والأحلام، ففي البيوت وبين مقاعد الدراسة وفي أماكن العمل، يتجلى هذا المرض كظل دائم يرافق الكثيرين، يحد من قدراتهم ويترك بصمته في تفاصيل يومهم.

عند النساء، يتخذ فقر الدم بعداً أكثر تعقيداً، إذ يتداخل مع مراحل حياتهن المختلفة فيترك أثراً واضحاً في الصحة والجسد والنفس، فالتغيرات البيولوجية الشهرية، والحمل والولادة، تضع أجسادهن في مواجهة متكررة مع المرض، وكأنهن في صراع دائم للحفاظ على توازن خفي بين العطاء والحياة، وحين يضعف الجسد، ينعكس ذلك على دورهن الاجتماعي والإنساني ويضطررن لمجاراة الحياة بطاقة شبه منطفئة.

في السطور التالية، نسلط الضوء على هذا المرض الصامت الذي يرهق الأجساد ويترك بصماته على تفاصيل الحياة اليومية، خاصة لدى النساء.

قال الدكتور فادي جورج هاشم، استشاري أمراض النساء والتوليد، إن فقر الدم لا يقتصر على فئة عمرية بعينها، غير أن انتشاره يزداد بشكل ملحوظ لدى النساء الحوامل، واللواتي يعانين غزارة في الدورة الشهرية، ويُعرف بأنه حالة نقص في عدد كريات الدم الحمراء أو في مستوى الهيموغلوبين، ذلك البروتين الحيوي الذي يتولى مهمة نقل الأكسجين إلى أنسجة الجسم لضمان عملها بكفاءة.

وأشار إلى أن أسباب فقر الدم متعددة ومتداخلة، فقد تنجم عن نقص الحديد أو التهابات حادة ومزمنة، أو حتى نتيجة غياب بعض الفيتامينات الضرورية لسلامة الدم، ويتم عادةً التعرف إلى الإصابة بالفحوص المخبرية، حيث يُعتبر مستوى الهيموغلوبين أقل من 12 مؤشراً رئيسياً على وجود فقر دم يستدعي المتابعة الطبية.

تعب ودوخة

يتسبب عدم حصول بعض أعضاء الجسم على كمية كافية من الأكسجين، في عدة أعراض مثل التعب، الدوخة، ضيق التنفس، وتسارع ضربات القلب، وهذه هي بعض أسباب فقر الدم وفقاً لما أوضحته الدكتورة تماضر تاج الدين أخصائية الطب الباطني.

وقالت إن أمراض الدم كثيرة، لكن أكثر نوع في المنطقة هو فقر الدم بسبب نقص الحديد، والسبب الأساسي يكون إما فقدان دم مزمن، مثل الدورة الشهرية عند النساء أو مشاكل بالجهاز الهضمي، أو نقص في التغذية أو زيادة في الحاجة للحديد مثل الحمل.

وحول مدى شيوع المرض بين النساء في المنطقة العربية مقارنة بباقي دول العالم، أوضحت أنه يعتبر من الأعلى عالمياً، خصوصاً بين البنات والنساء في سن الإنجاب، وحسب الإحصائيات العالمية، ومن ضمنها تقارير منظمة الصحة العالمية، تصل النسبة في بعض الدول العربية أحياناً من 35% إلى 40% من النساء، مقارنة بمعدلات أقل في بعض الدول الأوروبية أو أمريكا الشمالية التي تكون النسبة فيها بين 10% إلى 20%.

وأشارت إلى أن الأسباب تعود لعوامل مثل سوء التغذية أو الاعتماد على أطعمة يفتقر فيها للحديد، نقص التوعية الصحية خصوصاً في المناطق الريفية، غزارة الدورة الشهرية ومشاكل نسائية غير مشخصة، الحمل المتكرر بدون تعويض كاف، وعادات غذائية مثل شرب الشاي مع الأكل الذي يقلل امتصاص الحديد.

وقالت: «في العيادة نلاحظ هذا الشيء يومياً، حيث كثير من النساء لا يكتشفن أن عندهن فقر دم إلا بعد ظهور أعراض مثل الخمول الزائد أو الدوخة المستمرة، وللأسف البعض يتعايش مع الأعراض ويظنها تعباً طبيعياً».

سوء التغذية

قالت الدكتورة عزة الكيالي، أخصائية أمراض النساء والتوليد: «من أكثر الأسباب التي نشاهدها بشكل يومي لنقص الحديد وفقر الدم لدى النساء هي الدورة الشهرية الغزيرة، بعض البنات والسيدات تكون الدورة عندهن طويلة المدة، وهذا يؤدي إلى خسارة مستمرة للحديد من الجسم، بعد ذلك، يأتي سوء التغذية أو الاعتماد على نظام غذائي غير متوازن، خصوصاً في المجتمعات التي تحاول اتباع حميات قاسية أو نباتية دون تعويض مناسب للحديد، وفي حالات معينة، تكون هناك أمراض مزمنة أو مشاكل في امتصاص الحديد من الأمعاء، مثل حالات القولون أو التهابات المعدة، لكنها أقل شيوعاً من الأسباب التي ذكرتها أولاً».

وأوضحت أنه إذا كان النظام الغذائي لا يحتوي على مصادر غنية بالحديد، سواء حيوانية مثل الكبد واللحوم الحمراء، أو نباتية مدعمة، يواجه الجسم صعوبة في تعويض الفاقد، حتى لو كانت الدورة الشهرية عادية، ومجرد نقص الحديد في الطعام على مدى طويل يمكن أن يؤدي إلى فقر دم تدريجي، كما أن الجسم لا يمتص الحديد النباتي بكفاءة عالية إلا إذا كان مصحوباً بفيتامين (ج).

أيضاً يزيد الحمل والرضاعة بشكل كبير من احتمالية الإصابة بفقر الدم في حال عدم اتباع نظام غذائي متوازن، وفي فترة الحمل يحتاج جسم المرأة إلى كمية أكبر من الحديد لأن الدم يزداد لتغذية الجنين والمشيمة، وإذا لم يكن هناك تعويض مناسب، تبدأ أعراض فقر الدم بالظهور، كما أن الرضاعة الطبيعية تستنزف الحديد، خصوصاً إذا لم تكمل الأم المكملات الغذائية التي وصفها الطبيب المعالج، لذا أوصت الدكتورة عزة، بإجراء الحوامل تحاليل دورية للدم ومتابعة مخزون الحديد، والتأكد من تناوله بشكل منتظم، ليس فقط في بداية الحمل، بل حتى بعد الولادة.

نمط صحي

يرى الدكتور أحمد محمد سمير أخصائي التوليد وأمراض النساء والمناظير الجراحية والرحمية والتجميل النسائي، أن من أهم النصائح للحفاظ على صحة المرأة والوقاية من فقر الدم هو اتباع نمط حياة صحي، ويشمل ذلك زيادة تناول الأطعمة الغنية بالحديد مثل الكبد، اللحوم الحمراء، السبانخ، العدس، الفول، والحمص، مع الحرص على تعزيز امتصاص الحديد بتناول الأطعمة الغنية بفيتامين (ج) كالبرتقال والجوافة.

كما نصح بتقليل تناول المشروبات التي تقلل امتصاص الحديد مثل الشاي والقهوة مباشرة بعد الأكل، وتناول الأطعمة الغنية بحمض الفوليك وفيتامين (ب 12) مثل الخضراوات الورقية، الكبد، البيض، ومنتجات الألبان، مع ممارسة الرياضة بانتظام، والنوم الكافي، وتقليل التوتر.

وأضاف أن الفحوص الدورية تمثل ركيزة أساسية للوقاية من فقر الدم، حيث يوصى بإجراء تحليل صورة الدم الكاملة ومخزون الحديد للكشف المبكر، خاصة في حالات التعب المزمن أو اضطرابات الأعصاب، وأشار إلى أهمية الفحوص الخاصة في بعض الحالات مثل الحمل، حيث تحتاج المرأة منذ بدايته إلى حمض الفوليك ومكملات الحديد من الشهر الرابع، وكذلك في حالة الدورة الشهرية الغزيرة أو الأمراض المزمنة، حيث تجب المتابعة الدورية وإجراء التحاليل اللازمة.

وأضح أن التوازن بين المسؤوليات اليومية وصحة المرأة في ظل ضغوط الحياة أمر ضروري، ويمكن الوصول إليه من خلال تحديد الأولويات بذكاء وفق قاعدة «الأهم فالمهم»، وتنظيم الوقت بطريقة مرنة عبر تقسيم المهام إلى فترات قصيرة تتخللها فواصل للراحة، وشدد على أهمية العناية بالصحة الجسدية بتناول وجبات صغيرة ومتوازنة، وشرب الماء بانتظام، وممارسة نشاط بدني خفيف.

الضغط النفسي

يجب أن تحرص النساء على تقليل الضغط النفسي وتخصيص وقت أسبوعي للأنشطة التي تجلب السعادة كالقراءة أو التأمل، إلى جانب ممارسة تقنيات التنفس العميق والاسترخاء قبل النوم لتحسين جودته، والتخلي عن المثالية الزائدة، إضافة إلى إشراك الأسرة في المسؤوليات اليومية وتوزيع الأدوار بما يتناسب مع القدرة والعمر.

وقال الدكتور أحمد سمير: «على المرأة أن تعلم أن صحتها ليست رفاهية، بل أساس قوتها وراحتها»، موضحاً أن الكشف المبكر ليس فقط وسيلة لاكتشاف الأمراض، بل خطوة لحمايتها من المضاعفات ومنحها راحة البال، كما أن المتابعة الطبية الدورية تشمل الفحص المنتظم للضغط، السكر، وفقر الدم، والكشف المبكر عن سرطان الثدي وعنق الرحم، ومتابعة الصحة الإنجابية والهرمونية، وتقييم كثافة العظام بعد سن الأربعين، فضلاً عن مراجعة دورية لصحة القلب والغدة الدرقية.