علمياً نقصه يضعف مناعة الجسم ضد الالتهابات والعدوى 16-12-2023

أصبح نقص ساعات النوم أو ما يعرف طبياً بالحرمان من النوم ظاهرة عالمية، وهي منتشرة جداً في مجتمعنا بسبب السهر ليلاً حتى ساعات متأخرة والاستيقاظ مبكراً بسبب بدء المدارس والدوام في ساعات مبكرة. ويمكن اعتبار الحرمان من النوم وهو مشكلة شائعة جداً في مجتمعنا بسبب السهر الذي ينتج عنه حرمان الجسم من النوم الذي يحتاجه مرضاً، أو عادة سيئة تضر بالصحة لا تقل سوءاً عن حرمان الجسم من الطعام الصحي والتمارين الرياضية، لأن النوم عملية فيزيولوجية تحتاجها جميع الكائنات الحية بصورة يومية حتى تتمكن خلايا وأعضاء الجسم من أداء مهامها بصورة طبيعية، حيث إن كل أعضاء وخلايا الجسم تمر بإيقاع يومي تنظمه الساعة البيولوجية ويحتاج خلاله الجسم أن يمر بالنوم كحاجته لأن يمر باليقظة. وإن كان الطب الحديث قد نبهنا إلى الأهمية الكبيرة للنوم، فإن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قد نبهنا قبل ذلك بكثير إلى أهمية النوم للجسد في أكثر من حديث منها حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه في صحيح البخاري حين كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينصح عبدالله رضي الله عنه حيث كان مما قال له: «وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا»، منبهاً صلى الله عليه وسلم إلى أهمية النوم لصحة الجسد. والعلم الحديث بين لنا أن للحرمان من النوم مضار كثيرة، سنتعرض في عجالة لبعض الدراسات التي أثبتت التأثيرات السيئة المختلفة للحرمان من النوم.

ارتباط نقص النوم بسرطان القولون:

يعتقد المختصون أنه قد يزيد من احتمالات الإصابة بنزلات البرد

الدراسة نشرت في مجلة كانسر (Feb. 15, 2011 issue of the journal Cancer) وأجريت الدراسة على 1240 متطوعاً تبين بعض عمل المنظار أن 338 منهم مصابون بأورام غدية في المستقيم والقولون وهي أورام تسبق ظهور سرطان القولون. وبعد السيطرة على جميع المؤثرات التي تزيد من احتمال الإصابة بسرطان القولون مثل التدخين والسمنة والتاريخ العائلي المرضي، وجد الباحثون أن نقص عدد ساعات النوم بسبب حرمان الشخص نفسه من النوم وبالذات النوم أقل من 6 ساعات يومياً كان أحد العوامل التي تنبئ بظهور الأورام حيث إن العلاقة بين نقص مدة النوم والأورام كانت كبيرة إحصائياً. وقد كانت العلاقة أقوى عند السيدات. وتعتبر هذه أول دراسة علمية تظهر هذه العلاقة. ولا يعرف حتى الآلية خلف هذه العلاقة بين قلة ساعات النوم وظهور أورام القولون.

ارتباط نقص النوم بالقولون التقرحي:

نشرت دراسة في أكتوبر 2014 في مجلة (ClinicalGastroenterology and Hepatology) بينت أن ساعات النوم ترتبط بزيادة احتمال الإصابة بمرض التهاب القولون التقرحي وهو التهاب مناعي مزمن يصيب القولون ويسبب آلاماً في البطن وأعراضاً مزمنة في الجهاز الهضمي مثل الإسهال والمغص والنزيف الدموي مع البراز. فقد تابع الباحثون آلاف السيدات اللواتي شاركن في دراسة صحة الممرضات والتي أجريت على مرحلتين الأولى عام 1976 والمرحلة الثانية عام 1989 وتابع الباحثون 90 % من المشاركات لسنوات طويلة. وقد وجد الباحثون - بعد السيطرة على عدد من العوامل التي تزيد من احتمال الإصابة بالتهاب القولون التقرحي - أن النوم أقل 6 ساعات أو أكثر من 9 ساعات ارتبط بزيادة احتمال الإصابة بالتهاب القولون التقرحي. هذه النتائج تدعم الاعتقاد بأن اضطراب النوم يؤثر على الجهاز المناعي في الجسم وقد يزيد من ظهور بعض الأمراض المناعية. وما زال الموضوع يحتاج لأبحاث أخرى لفهم آلية هذا الارتباط.

ارتباط نقص النوم بجلطات القلب:

نشرت دراسة في مجلة القلب الأوروبية (Eur Heart J.2011 Feb 7)، حيث تابع الباحثون أكثر من 470 ألف شخص من ثماني دول لفترات تراوحت بين 7 - 25 سنة. وقد وجد الباحثون أن الذين ناموا أقل من 6 ساعات يومياً كانت احتمالات الإصابة بجلطات القلب عندهم أكثر بـ48 % وجلطات الدماغ أكثر بـ15 % من الذين ناموا من 7 - 8 ساعات. كما أن احتمال الجلطات كان أكثر عند الذين ناموا أكثر من تسع ساعات يومياً. لذا يرى الباحثون أن 7 - 8 ساعات هي المدة المناسبة عند أكثر الأشخاص.

ارتباط نقص النوم بالسمنة

والسكري ومتلازمة الأيض:

دراسة علمية قام بها باحثون من كوريا ونشرت في مجلة Journal of Clinical Endocrinology and Metabolism درسوا خلالها تأثير الإيقاع اليومي للجسم أو ساعته الحيوية على احتمال الإصابة بأمراض الأيض مثل السمنة والسكر ومتلازمة الأيض، وقد درس الباحثون عادات النوم عند 1620 شخصاً من متوسطي العمر (تراوحت الأعمار بين 47 - 59 سنة)، وقاموا بإجراء قياسات دقيقة لتغيرات الأيض في أجسام المتطوعين. ووجد الباحثون أن السيدات «المسائيات»، أي اللاتي يفضلن السهر ليلاً والنوم نهاراً، كن أكثر عرضة للإصابة بسمنة البطن «السمنة الحشوية» (زيادة محيط الخصر)، والإصابة بمتلازمة الأيض (تتكون المتلازمة من ارتفاع ضغط الدم، سمنة البطن، ارتفاع الكوليسترول زيادة احتمال الإصابة بمرض السكري وجلطات القلب والدماغ) بنسبة 74 % مقارنة بالسيدات «الصباحيات»، أي اللواتي ينمن ليلاً ويستيقظن مبكرات في الصباح. أما بالنسبة للرجال «المسائيين»، فقد كانوا أكثر عرضة للإصابة بمرض السكري بنسبة 73 % ولانخفاض كتلة العضلات (ضمور العضلات) بنسبة 316 % مقارنة بالرجال «الصباحيين».

نقص النوم يفتح الشهية:

ونشرت دراسة أخرى استكشفت علاقة نقص النوم بزيادة الوزن أجراها باحثون في جامعة ابسالا بالسويد ونشرت في مجلةJournal of Clinical Endocrinology and Metabolism في فبراير 2012. في هذه الدراسة، راقب الباحثون تأثير نقص النوم على منطقة في المخ مسؤولة عن زيادة الشهية. حيث راقب الباحثون نشاط المنطقة المخصصة لزيادة الشهية في المخ عند 12 متطوعاً باستخدام أشعة الرنين المغناطيسي خلال عرض صور أطعمة مختلفة على المتطوعين بعد نوم طبيعي وقارنوا ذلك بعد حرمانهم من النوم لليلة واحدة. ولاحظ الباحثون أن الحرمان من النوم لليلة واحدة زاد نشاط المركز الذي يزيد الشهية في المخ بشكل كبير مما يدعم الأبحاث السابقة التي ربطت بين نقصان النوم أو السهر وزيادة الشهية والوزن. فقد أظهرت أكثر من دراسة سابقة أن نقص النوم قد يكون أحد الأسباب المؤدية إلى السمنة، وكما نعلم أن كثيراً من الأشخاص لا يحصلون على ساعات نوم كافية بسبب ضغوط الحياة والمدنية الحديثة.

ونشرت هذا الشهر (نوفمبر 2016) في مجلة European Journal of Clinical Nutrition مراجعة منهجية بينت أن الذين ينامون ساعات أقل يتناولون يومياً حوالي 385 سعرة حرارية أكثر من الذين ينامون ساعات كافية.

نقص النوم ومناعة الجسم:

المثبت علميًا أن نقص ساعات النوم يضعف مناعة الجسم ضد الالتهابات والعدوى. ويعتقد المختصون أن نقص النوم يزيد من احتمالات الإصابة بنزلات البرد. وقد أثبتت دراسة علمية نشرت في مجلة أرشيفات الطب الباطني هذا الاعتقاد. فقد درس الباحثون عدد ساعات نوم 153 متطوعًا لمدة أسبوعين متتاليين. بعد ذلك تم عزل المتطوعين في غرف خاصة وتم تعريضهم لفيروس الزكام (Rhinovirus) عن طريق وضع نقط في الأنف. وخلال الأيام الخمسة التالية راقب الباحثون ظهور أعراض الزكام عند المتطوعين، وكذلك قياس الأجسام المضادة ضد الفيروس في الدم وزراعة إفرازات الأنف. النتائج أتت مثيرة جدًا؛ حيث وجد الباحثون أن النوم لساعات أقل يزيد احتمال الإصابة بالزكام. وأظهرت النتائج أن الإصابة بالزكام كانت أعلى بثلاث مرات عند الذين ناموا أقل من سبع ساعات مقارنة بالذين ناموا ثماني ساعات أو أكثر. يمكن تفسير هذه النتائج بأهمية النوم وتأثيره في الجهاز المناعي في الجسم حيث تختل وظائف الخلايا المناعية وكذلك إفراز المواد المؤثرة في الالتهابات. ما سبق يُظهر سببًا آخر لأهمية الحصول على نوم كافٍ وخاصة عند الأطفال الذين هم أكثر عرضة لنزلات البرد وخاصة في الأجواء الباردة.

ونحن حين نعرض هذه الدراسات فإننا نهدف إلى تنبيه القارئ بأهمية الحصول على نوم كاف وذلك بالنوم مبكراً والاستيقاظ مبكراً والانتظام في مواعيد النوم والاستيقاظ.

وبقيت نقطة مهمة أود التنبيه لها في نهاية هذا المقال، وهي أن نتائج الأبحاث السابقة لا تنطبق على من تحتاج أجسامهم ساعات نوم أقل، فهناك أشخاص يحتاجون ساعات نوم أقل من غيرهم ويمكننا الاستدلال على ذلك بأن هؤلاء الأشخاص يستيقظون صباحاً في مواعيدهم وبدون استخدام ساعة المنبه كما أنهم يشعرون بالنشاط والحيوية طوال اليوم. من نود تنبيههم، هم الفئة التي تسهر كثيراً ولا تعطي أجسامها ما تحتاجه من نوم وتعاني نهاراً من التعب والإنهاك بسبب من قلة النوم.https://www.alriyadh.com/